الأحد، 11 أكتوبر 2009

الثامن و العشرين من سبتمبر

اليوم يكون قد مر تسعة و ثلاثون عاما على وفاة الزعيم جمال عبدالناصر، و أنا هنا لست بصدد فتح نقاش عن الاشتراكية و القومية العربية، الديموقراطية، الصراعات، المعارك، التأميم، الفعل و رد الفعل، الانتصارات و الهزائم و كل ما إلى ذلك. ببساطة كل ما أريد فعله هو أن أرثي الرجل العربي الأصيل جمال عبدالناصر في ذكرى موته. مواطن عربي بدرجة زعيم عاش ومات مخلصا لعروبته محاولا بصدق أن يحقق آمال شعبه. عاش زمنا قصيرا كالحلم لكن تأثيره باق في وجدان كل العرب بكل أطيافهم و مشاربهم، الذين أحبوه حبا كالعبادة و الذين كرهوا حتى تقاطيع وجهه. قد يختلف البعض معه و عليه و حوله، إلا أن الجميع يتفقون أنه كان رجلا. عبد الناصر هو رجولتنا. نعم رجولتنا العربية الصرفة بكل ما فيها من شموخ و كبرياء و عزة و نخوة و كرامة و عصبية و صلف وشرف و عنفوان. عبدالناصر يمثل رجولتنا التي كرهها الغرب و احترمها في نفس الوقت، و فرح لموتها و أنصفها بأراشيفه و مذكرات زعمائه. تحدث لنا، خاطب وجداننا، تحدث إلى عيوبنا دون مواربة. أخطأ و حمل نفسه الخطأ قبل أن نلومه فسامحناه، بكينا فراقه لأننا بموته انتقلنا إلى مرحلة الشيخوخة و فقدان الذاكرة فأصبح العدو أخا و الشقيق عدوا. ما زالت أفكاره تحارب إلى الآن، لأن هناك من يريد للشموخ الذي ولى و العنفوان الذي كان أن يصبح قصصا كقصص عنترة و أبو زيد الهلالي نرويها في مجالسنا حول أنفاس الشيشة، مجرد أساطير كالعنقاء و الخل الوفي، مستحيلا لا يمكن رؤيته و لا تخيله في المفهوم الواقعي الجديد..مجرد ذكرى نذكرها في هذا الوقت من العام ثم نعود إلى حيواتنا نلعن كل شئ و ننتظر أن يبعث من أصلاب هذه الأمة زعيم جديد يقودنا نحو الخلاص. نحن لسنا بحاجة إلى ناصر جديد فنزحف خلفه، نحن بحاجة لاستنهاض الهمم و استكمال المسيرة و لكن بخطى عصرية...رحمك الله يا جمال عبدالناصر

ننتظر تجربة أثرى وأعمق من مجرد رحلة للشقيري (جريدة الوطن 4 سبتمبر 2009)

حضاريا تعتبر التجربة اليابانية من التجارب الرائدة و المثيرة للاهتمام في شتى مجالات الحضارة، و خصوصيتها تكمن في قدرة الحضارة اليابانية على تجاوز محنتها واستمرارها في مسيرتها النهضوية حتى أصبحت الأمة اليابانية من أكثر الأمم تقدما. مع العلم أنها واجهت صعوبات و تخطت عقبات شديدة الوعورة في سبيل مشروع نهضتهامن هزيمة عسكرية وقنابل نووية إلى احتلال لأراضيها.و قد قام العديد من الباحثين و المفكرين و المهتمين بالمشاريع النهضوية للأمم بدراسة التجربة اليابانية من شتى النواحي، لاكتشاف العوامل التي ساعدت الأمة اليابانية على الوصول للمكانة التي تبوئها الآن، و آخرهم أحمد الشقيري الذي حاول دراسة سلوكيات و قيم الفرد الياباني و مقارنتها مع سلوكيات و قيم الفرد العربي لبيان نوع التأثير الممكن للفرد أن يقوم به في نهضة أمته، و كفكرة هي جيدة جدا و تستحق الدراسة.اختيار أحمد الشقيري لليابان كشعب و حضارة ليكونا أساسا لبحثه ذكاء يحسب له، فالأمة العربية تمر بظروف مشابهة نوعا ما لظروف اليابان إبان الحرب العالمية الثانية من احتلال و هيمنة لثقافة بعيدة عن الثقافة الأم. و بما أن اليابانيين تمكنوا من التخلص من كل هذه المعوقات المعيقة لمشروعها النهضوي و ذلك بتداخل عدة عوامل أهمها إيمان الفرد الياباني بأهمية العمل و الاضطلاع بدوره و واجبه تجاه هذا المشروع القومي، فإن عمل مقارنة بين الفرد الياباني و الفرد العربي ستؤدي بلا شك إلى اكتشاف السلوكيات و القيم التي ساعدت الفرد الياباني على القيام بدور فاعل في نهضة أمته ومحاولة تفعيل و خلق سلوكيات و قيم متماثلة عند الفرد العربي حتى يؤدي دوره في نهضة أمته.هذا من حيث الفكرة أما من حيث التنفيذ فقد خذل الشقيري العديد من المتلقين رغم صدق النية ووضوح الفكرة. فالمتابع لتجربة الشقيري اليابانية سيلاحظ السطحية في الطرح و غياب الموضوعية العلمية في مقارنات الشقيري مما أدى إلى إضعاف الفكرة و تشتيت المتلقي، فتعليقات و مقارنات الشقيري أقرب إلى تعليقات و مقارنات سائح منها إلى باحث أو مفكر أو داعية.حاول أحمد الشقيري دراسة المجتمع الياباني عن طريق الاحتكاك المباشر و الملاحظة للسلوكيات العامة للشعب الياباني في الحياة اليومية، إلا أن احتكاك الشقيري باليابانيين لم يكن ذا عمق و معظم ملاحظاته كانت أقرب إلى السطحية، ويعزى ذلك إلى قلة خبرته بهذا النوع من الدراسة و البحث و التي كان بإمكانه تجاوزها لو وسع من دائرة و شرائح الناس الذين قابلهم بدلا من التجول في المول أو القيام برحلات سياحية لا تؤدي الغرض من البحث و لا تمنحه العمق اللازم للخروج بنتائج ذات قيمة. كما أنه يعاب على الشقيري أسلوبه في طرح أفكاره و ملاحظاته والذي اتسم بالمبالغة الشديدة و الانبهار الأشد المتوقع من سائح و ليس من باحث ذهب إلى اليابان بغرض دراسة جانب من جوانب المشروع النهضوي الياباني، إضافة إلى نبرة الاستهزاء و الاستخفاف عند عمل مقارناته بين الفردين العربي و الياباني.

الحكواتية (جريدة الوطن 10 أكتوبر 2009)

تواجد الحكواتية في الوطن العربي منذ قديم الزمان. كانوا يتوسطون المقاهي و مجالس الوجهاء يتأبطون كتبا و أحيانا يتأبطون خيالهم يروون منه قصص أبو زيد الهلالي و يحكون بطولات عنترة و غراميات قيس بن الملوح، و ينسجون عوالم من خيال يسرح فيها السامعون فيتمايلون طربا لشعر قيس و يصرخون حماسة لبطولات عنترة و ينصتون في شجن لتغريبة الهلالي. ثم ينفض المجلس و يقنع الحكواتي بما تجود به أنفس رواد المقهى من قروش قليلة يستعين بها على شظف العيش. لكن مع التطور الهائل الذي حل على الدنيا و العولمة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة تغير كل شئ. فتحول عنترة إلى فيلم سينيمائي، وانتهى أبو زيد الهلالي إلى مسلسل من عدة أجزاء، فكان لزاما على الحكواتي أن يتطورو ينفض عن نفسه غبار الزمان و قد كان. تحول الحكواتي من شخص غلبان و مطهوم يطوف المقاهي و مجالس الأغنياء ليجني لقمة عيشه إلى صاحب قناة فضائية يخاطب الجيل الجديد يحكي لهم قصصا و يسرد أحداثا ما أنزل الله بها من سلطان ينسبها لشخصيات تاريخية دون حسيب أو رقيب، و يفتي في شتى مسائل الحياة ففي الشعر هو شاعر أعظم من المتنبي رغم أنف الشعراء، و في الفكر له مؤلفات و كتب، و في الاقتصاد ينظر، و في السياسة يحلل و يتنبأ. و الويل و الثبور و عظائم الأمور لمن ينتقد أو يعارض. سيتهم حتما بالزندقة و الهرطقة و قلة المروة و ما هو أعظم من ذلك. و ستهب الجموع تدافع عن الحكواتي الجليل ضد شياطين الإنس العابثة. سبحان مغير الأحوال، أصبح الحكواتي في هذا الزمان يدعى إلى الصروح الجامعية ليلقي خطبا و يوجه الناس إلى حسن السواء، و الناس يتدافعون لسماع رأي الحكواتي في مسألة لا ناقة له فيها و لا بعير. أصبحت له اليد الطولى على كل شئ، فلا تقام ندوة إلا إذا شرفها بحضوره و مسح عليها من بركته. و لا يفتتح صرح علمي إلا إذا أفاد جنابه بصلاح الأمر و لا تكتشف نظرية علمية و تعتمد إلا إذا بصم بعدم تعارضها مع الثوابت و الخصوصيات. ومع هذه القفزة الهائلة و المكانة الاجتماعية الجديدة أصبح لزاما على الحكواتي أن يغير شكله و مظهره بل ومسمى مهنته. أصبح الآن يرتدي بدل أفرنجي من أغلى الماركات، أو بشتا مقصبا وكأنه وزير الدولة.أصبح يسمى بصاحب الفضيلة، أو سعادة الأستاذ الدكتور العلامة المفكر شهبندر التجار حكيم الزمان سيد هذا العصر و الأوان. إلا أنه و على الرغم من كل هذه المتغيرات يدرك في قرارة نفسه أنه لم يتبوء هذه المكانة إلا بسبب الأوضاع المقلوبة و أنه في نهاية الأمر ليس إلا..مجرد.. حكواتي