الثلاثاء، 1 فبراير 2011

جدة هذه العروس!

جدة هذه العروس التي أضحت عانسا بسبب عضل ولي أمرها. اضطهدها حتى ما عاد يرغب فيها أحد. أكل خيراتها و تركها كسيحة تواجه مصيرها الأسود وحدها. عذراء؟ لا أعتقد فهي تتعرض للاغتصاب يوميا و على أيدي ذوويها بشهوتهم الحيوانية، نظراتهم المليئة بالخبث و الدنائة و قلة المروة. يقتحمونها يوميا، ينهشون لحمها المحرم، يلتهمون برائتها و ينفثون أنفاسهم الكريهة في وجهها. يلقون منها وطرا ثم يلقونها لقارعة الطريق تلملم جروح نفس منكسرة تعاني ظلم ذوي القربى الأشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند. ما إن تلملم بعثرتها حتى يستدعيها ولي أمرها لشوط جديد من أشواط العذاب. تتسائل و هي تئن تحت جسد مترف مترهل قاس، ما ذنبي؟ بأي ذنب أقتل كل يوم؟

ذنبك يا صغيرتي أنك ولدت في كنف هذه الأسرة السادية. ذنبك أن أهلك ينهشون لحمك بدل أن يدافعوا عنه. ذنبك أن من وضعته الأقدار لك حاميا كان وحشا كاسرا. لم يرحم ضعفك، لم يحنو عليك، لم يقم بواجبه تجاهك. على العكس استغل طيبتك، ثقتك، طهرك و برائتك فغرز فيك خنجره المسموم و أقام الولائم و الليالي الملاح. في كل يوم يستدعيك بحجة مختلفة، إلا أنك تعلمين دائما إلام ينتهي اللقاء. تستحضرين عذاباتك في كل مرة يأتي فعله المنكر، فكأن كل مرة هي كل المرات.

أنهكت جدة. ما عادت تحتمل هذا العذاب. أتطلب الموت؟ أم تصبر على عذابات نفس محطمة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا؟ لأنها طاهرة، طيبة، بريئة ما تزال تدعوا لهم بالهداية. تدعوا أن تستيقظ ضمائرهم الميتة، تدعوا ربها أن ينزل سكينته عليها و أن يزرع النخوة في قلوب ذويها فيستمعوا لاسترحماتها و يتوقفوا عن اغتصابها. فما عادت حصون جسدها المنهك تحتمل دكا. و ما عادت روحها المنكسرة تحتمل المزيد من الخذلان و الانكسار. و ما عاد في ذاكرتها مكان لتملئه بالمزيد من صور العذاب. تدعو ربها أن يكفوا عنها قبل أن يغضب قلبها عليهم. ما أطهرك يا جدة. رغم كل هذا العذاب ما زال في قلبك مكان لهم. مازال قلبك فتيا نقيا يحمل حبا لمن خانوك.
قومي يا جدة. اغضبي. فهؤلاء لا يستحقون أن تكوني ابنتهم. انفضي عن كاهلك ظلم السنين. حولي مائهم الذي قذفوه في جوفك نارا تحرقهم. لا تدعي لهم بالمغفرة و لا الهداية بل ادع ربك أن يعذب بك كل من كانت له يد في مأساتك. ادع ربك أن يكون دمع عينيك وقود نار تحرق من انتهكوا حرمة جسدك الطاهر. فليكن غضبك كبيرا كما كان ظلمهم كبيرا.

في سلم الطائرة بكيت غصبا بكيت

في سلم الطائرة بكيت غصبا بكيت. كلمات رائعة طلال مداح لعلها تكون أفضل وصف لحال الرئيس التونسي زين العابدين و هو يغادر بلاده شريدا صائعا هائما على وجهه في ليل أظلم. يا ترى ما الذي دار في خلده و هو يستقل الطائرة مطرودا في رحلة طويلة و حيدة موحشة.
مؤامرة! يا ترى كيف تمكن كل هؤلاء الرعاع من التنسيق و الاجتماع و التخطيط ثم التنفيذ، مع أنني كنت أحكم بيد من فولاذ. لا يستطيع مواطن تونسي أن ينطق "زين" إلا اعتقلته و أفراد أسرته و جيرانه و كل من عبر بجواره. كيف إذا حدث كل هذا؟ لعله كان ينظر شزرا لزوجته ليلى الطرابلسي. أنت السبب يا وجه النحس، أنت و عائلتك المصونة، نهبتم البلد و أنا أتفرج عليكم. صحيح أنني نهبت أيضا، لكني رئيس دولة عربية، فإذا كان رؤساء البلديات لصوصا فحري برأس الدولة أن يكون شيخ اللصوص.

أين أذهب الآن. فرنسا! أكيد.فالرؤساء الفرنسيين كلهم أصدقائي كما أنني حاولت جعل المجتمع نسخة من المجتمع الفرنسي و لي في فرنسا أملاك و أطيان. عفوا سيدي الرئيس الطريق إلى فرنسا مقطوع، هكذا قال أحد مساعدي الرئيس، ساركوزي أعلن رفضه استقبال فخامتك، كما أنه أمر المتواجدين من عائلتك على أرضه أن يغادروها على وجه السرعة. لماذا؟ ماذا فعلت أنا؟ أو لم أكن صديقه المقرب؟ صحيح هؤلاء الأوربييون لا أمان لهم. يقولون فخامة الرئيس في فرنسا أنهم لا يريدون أي إحراجات مع الجالية التونسية لديهم. تبا لهؤلاء الرعاع، ألا يتركونني في حالي؟ ألم أترك لهم البلد كلها، عساها أن تولع بهم؟ فلتذهب فرنسا إلى الجحيم. اطلبلي بيرلسكوني حالا. آسف سيدي، هاتف بيرلسكوني خارج التغطية، كما أنه بعث برسالة نصية قائلا أنه الآن يحتفل بعيد ميلاده و ليس لديه الوقت ليضيعه في استقبالك، كما أنه يخشى أن تقيم في إيطاليا بصورة غير شرعية حيث أنك لا تملك تأشيرة دخول و إيطاليا في غنى عن زيادة أعداد المهاجرين اللذين ساهمت سياستك في هجرتهم الجماعية لإيطاليا.

و العمل؟ تبا لهؤلاء الأوروبيين، ليس لهم صاحب و لا ملة. سأتصل بأصدقائي الرؤساء العرب. آه من عساني أن أطلب؟ أطلبلي حسني فهو الوحيد الذي بيننا عيش و ملح منذ قديم الزمان، أما الآخرين فهم أطفال و لا أعرفهم حق المعرفة. تفضل فخامتك، الرئيس حسني مبارك على الخط. "حسني أنجدني، أنا واقع في عرضك كما تقولون في مصر" أنجدني استقبلني عندك. الناس أكلت وجهي و لعل هؤلاء الرعاع الآن يتندرون على حالي و يطلقون نكاتهم و يصوبون سهامهم في صدري. "هو أنا ناقصك يا عم انت، أنا لايص مع المسيحيين و الصعايدة، و لو استقبلتك لن يرحمني أحد فالشعب المصري عايز جنازة و يشبع فيها لطم و مش بعيد تلاقيني جنبك أدورلي على بلد يستقبلني أنا كمان" و لكن يا فخامة الرئيس.... "زين..زين.. مش سامعك.. الخط قطع"

أكاد أجزم أن الرئيس التونسي قد انهمر من عينيه الدمع أنهارا و هو يرى الكل يتخلى عنه. لفظه الشعب، و رفض الجميع استقباله. لا أحد يريد أن يراه و كأن به جذاما. ما الحل؟ أيعقل أن أواجه الصياعة و أنا في هذا العمر؟ لقد تعود جسمي على العيشة الناعمة. و حتى لو قبلت أن أعيش كما يعيش هؤلاء الرعاع فأنا في النهاية عسكري، لكن هذه الحيزبون التي بجواري لن ترحمني و ستحيل حياتي جحيما. وجدتها، ليس لي غيره..خادم الحرمين. جابر المطرودين من الرؤساء و القادة لعله يستقبلني كما استقبل عيدي أمين و نواز شريف و الشيخ خليفة. لعلنا نسكن معا في مجمع سكني واحد فيواسونني و يساعدونني لأتأقلم مع الحياة كرئيس خالي شغل. و في سلم الطائرة بكيت غصبا بكيت...................

إذا الشعب يوما أراد الحياة

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر و لابد لليل أن ينجلي و لابد للقيد أن ينكسر. كلمات شدى بها أبو القاسم الشابي منذ زمن بعيد إلا أنها اليوم أضحت حقيقة ماثلة للعيان بأيدي التونسيين. إن كان أجمل الشعر أكذبه فإن أعظم الشعر أصدقه. منذ أسبوع فقط لو قال أحدهم أن الرئيس التونسي سيهرب تحت جنح الظلام راضخا لإرادة شعبه بعد اضطرابات هائلة سيوسم بالجنون حتما، سيوصف بالسذاجة و الغباء و قلة الفهم بالمتغيرات الاستراتيجية و المعطيات السياسية التي يجب توافرها لأي تغيير من هذا النوع.

إلا أن الشعب التونسي العربي الأبي ولله الحمد لم يقم وزنا لموازين القوى و الاستراتيجية الحتمية و الخطط الخمسية و كل هذا التنظير الذي يؤدي إلى إضعاف الهمم و هزيمة الروح، لم يستمع لآاراء المثقفين و الخبراء التي تقرع أي تحرك شعبي للتغيير، لم يلق بالا للفقهاء الذين حرمو التظاهر و الخروج إلى الشارع للمطالبة بالحقوق، و قام بالتغيير بيده ليثبت أن الشعب دائما هو الحلقة الأقوى عند حساب موازين القوى. إلا أن البعض يتناسى ذلك عندما تسكره سطوة المال و قوة السلطة و سعة بال الشعب فيظن أنه ظل الله في الأرض و الحاكم بأمره حتى يجد نفسه يوما هاربا مطرودا يتوسل مطارا يستقبل طائرته و بلدا يؤي روحه البائسة و هو منذ أيام قلائل كانت الدنيا كلها منزله و العباد كلهم عبيده.

أثبت التونسيون أن الرهان على السلطة والمال و القمع و التنكيل هو رهان خاسر و أن الرهان على قوة الشعب هو الرهان الكاسب و إن طال الزمن و بلغ اليأس من التغيير مبلغه. و عند هذه النقطة بالذات دائما يولد من رحم هذا اليأس أمل حقيقي تراه ماثلا أمامك يمحو كل ما كان قبله و تنجلي حقيقته راسخة و يصبح ما قبلها سرابا كأن لم يكن.
صورة مع التحية لكل من يظن أن الشعب العربي مات، و أنه مشغول بلقمة عيشه لا يريد من الدنيا إلا الستر، و أن الحرية و الديمقراطية و الكرامة كلمات لا تعني له شيئا. صورة مع التحية لكل من يعتقد أنه ظل الله في الأرض و أن الشعب ما هو إلا مجموعة من الرعاع خلقت لتنفذ مشيئته و تأتمر بأمره. و أنصح هؤلاء أن يفيقوا بسرعة من هذا الوهم و لا يرتخوا ظنا أن المال و الحرس و العلاقات الدولية ستحميهم أبدا من غضبة الشعب و إلا سيجدون أنفسهم ذات يوم على متن طائرة في جنح الظلام هاربين يبحثون عن مطار يستقبلهم و أرض تؤي أجسادهم المترفة.

المواطن مصري

المواطن مصري. الفقر أبي و المأساة أمي. لقمة العيش همي . المهنة، اليوم شيال و كنت عاملا مرة ، و اشتغلت في تكسير الجبال زمنا. لكن الأصل فلاح ابن فلاح. من هذه الأرض خلقت وبها أعيش و عليها حياتي و إلى جوفها عائد. الرزق قليل لكن الرضا طبعي. الوجه كالح، أسمر، و الزمن حفر بتعب السنين على الوجه تجاعيد كينابيع نهر جففت شمس الصحراء ماءه. العيون تبدو منطفئة لوهلة، لكنها تخفي في محاجرها ضياء شموس الكون، و ذكاء فطريا كامنا في سوادها، و عنادا أزليا قدم الأرض.

مع أني فقير لكني فخور، فأنا مصري في القرآن مذكور اسمي. و من كلمات الله وصفي. فأنا خير أجناد الأرض في سوادي خير للناس كافة، تبوأ منها موسى لقومه بيوتا. و أوصى يوسف أبويه أن ادخلو مصر إن شاء الله آمنين. بمصر كان إبراهيم الخليل، و اسماعيل، و إدريس، و يوسف، و يعقوب، و الأسباط. وصفها عمرو ابن العاص فأبدع مصر تربة سوداء و شجرة خضراء. بيدي هاتين حفرت تربتها فأخرجت بقلها، و فومها،وقثائها،و بصلها،و عدسها.

أنا المواطن مصري. مرت علي السنون العجاف أزمنة، و الهموم من الجبال رواسي، فما كسرت عزتي و لا انحنت للأقدار هاماتي. طواغيت هنا كانوا. بالذل و الإخضاع حكموا، خوازيقا في البطون دقوا، قي القتل و التنكيل أبدعوا، كم زرعا أحرقوا، كم نفسا قتلوا، كم تنمردوا و تجبروا. أين هم اليوم؟ هل على الخلود السرمدي حصلوا؟ أم في غياهب الذل جعلناهم حتى كأن لم يكونوا؟ أنا التاريخ بأناملي السمراء على ورق البردى كتبته. فما ارتعشت أصباعي عند الهزائم و لا انكسر قلمي من فرط انتصاراتي.

و أنت يا سيدي طاغوت آخر. استحقرت فقري و رقة حالي. أسأت في صبري الظن و أعماك عني غرور جبروتك الآني. أنستك سني عمرك الطويلة أنك مثلهم فان. أنا حر، ولدت حرا و عشت حرا و أموت حرا إن الموت ناداني. خدعتك من المنافقين ابتساماتهم، و غطى لغط لهوكم عن الأسماع صوتي. في صدري أزمنة من القهر، و بين أضلعي حملت ظلمي، في قلبي سننت كراهيتي. تركتكم في طغيانكم تعمهون. أرقبكم. أسل سيفي ذبحا أجهزكم. لن أرحمكم. فليس من شيم المصري أن يترك للزمان ثأره. ما إن تركن للرخاء زبانيتك و تظن أنك للخلود ماض حتى أنفض عن هامتي غبارها و أفتح للنيران صدري. سيهرب زبانيتك. سأكسر قيدك الذي أدمى معصمي ستذهب خائبا ذليلا كسيرا كما ذهبو فلن يبقى غيري. أنا المواطن مصري.