السبت، 25 ديسمبر 2010

زمن القرش

دائما ما تختلف نظرة الانسان لنتائج الأحداث المحيطة به بحسب موقعه منها, فان كان في موقع الفاعل تكون النتائج على الأغلب ذات فائدة ما له, أما ان كان في موقع المفعول به فعلى الأغلب تكون النتائج على عكس ما يتمنى الا اذا قدر له أن يتغير موقعه الى الفعل بدلا من تلقي الفعل فعندها يصبح قادرا على التأثير على النتائج نوعا ما. فعندما يتحالف المال مع السلطة تكون النتائج رائعة و براقة و المكاسب هائلة بالنسبة لمن هم في موقع الفعل, أي داخل الحلف. و تكون النتائج كارثية و تهدد كل اشكال الحياة اذا حكمت الأقدار أن تكون على الجانب المتلقي للفعل أي خارج تحالف السلطة و المال. فاذا كنت من سكان حي الرويس فموقعك بالتأكيد سيكون على الجانب المتلقي لفعل لا تملك من أمر رده قوة و لا بأسا, و النتائج لهذا الفعل هي بالتأكيد كارثية بالنسبة لك. أما اذا كنت على الطرف الآخر من المعادلة؛ المال و السلطة فستشعر أن الأقدار تتبسم في وجهك و أن الدنيا قد فتحت لك خزائنها لتغرف منها بكلتا يديك فأنت في موقع التأثير و التطوير الاستثماري و الكسب المريح. كل ما عليك فعله هو انشاء شركة عالمية للتطوير العقاري. ثم ابحث عن منطقة ذات بعد استثماري كحي الرويس التاريخي بموقعه الاستراتيجي تمكنك من تحقيق أرباح خيالية في زمن قياسي. بعد ذلك ما عليك الا أن تستصدر فرمانا ممن بيدهم الحل و الربط يوحي ظلما و بهتانا بعشوائية هذه المنطقة و حاجتها الى التطوير العقاري. و لا مانع من دعم مشروعك بحملة اعلامية تركز فيها على عشوائية المنطقة و انتفاء أسباب الحياة فيها, فكل مستثمر محترف يعي تماما أن الاعلام هو الشريك الاستراتيجي للاستثمار و الضلع الثالث لمثلث السلطة و المال. ستدور العجلة بعد ذلك و بمساعدة الأيدي الخفية ستتمكن من نزع ملكية البيوت و الأراضي من ملاكها الأصليين بفضل الفرمان المذكور أعلاه. و ستضطلع الأيدي الخفي بالدور المناط لها و ذلك بتعطيل الخدمات في هذه المنطقة للضغط على سكانها الرافضين الخروج منها. و لأن شركتك العالمية, بشركائها العالميين في صفاتهم المتنفذين باعتبارهم, هي شركة وطنية هدفها التطوير فقط فستقوم بتعويض هؤلاء المساكين بمبلغ تحدده جنابك و لن يلومك فيهم أحد. و لم الملامة و أنت قد عقدت العزم على التطوير و التعمير و انقاذ المنطقة من براثن العشوائية و الغوغائية. صحيح أنك نزعت ملكا ليس لك بالغصب و ضد رغبة الملاك الأصليين, و صحيح أيضا أنك لم تطور هذه المنطقة لسكانها الأصليين, و الأصح أيضا و أيضا أنك لا تلقي بالا لمصير هؤلاء "الغلابة" الذين لن يجدو مكانا يؤيهم بفضل تعويضك المالي الشحيح. الا أنك يا سيدي رجل الأعمال المسؤول (و هي صفة اعتبارية جديدة) تقوم بعمل عظيم و لابد لكل عمل عظيم من ضحايا هكذا تعلمنا في المدارس. فما المانع أن تكون ضحايا التطوير و التعمير بضع مئات من العائلات المغلوبة على أمرها تنزع منها أملاكها و تكدس في حي آخر أشد غلبا مقابل أن تصبح منطقتهم جنة الله في الأرض. فعلى أنقاض هذه العشوائية المزعومة ستقام منطقة راقية بمحال تجارية عالمية و مطاعم و مقاه غاية في الذوق الرفيع و ستباع الأراضي التي اشتريت بالتراب بأضعاف مضاعفة ستجعلك و المتنفعين من أثرياء العصر. و سيقوم السكان الجدد اللذين سيستوطنون هذا الحي ببناء قصور غاية في الروعة و البناء يحتاج لمقاولين و المقاول يحتاج لمعدات و كل هذا مال سيتنقل بين الأيادي السمينة. و لن يكون هناك مكان في هذا المجتمع الجديد للوجوه الرثة المثقلة بالهموم الا اذا كان تواجدها على سبيل خدمة المستوطنين الجدد. في الختام أوجه كلامي لك يا سيدي رجل الأعمال ذو المنصب أن المشروع ناجح و بكل المقاييس من الناحية التطويرية الاستثمارية البحتة, الا أنه فاشل من المنظور الانساني, التاريخي, و الأخلاقي. الا أن المنظور الأخير غير ذي أهمية بحكم أننا في زمن القرش.