الأحد، 25 أبريل 2010

تائهون على الطريق في أمريكا

طالعتنا الشاشة الأجمل و الأمثل و الأكمل و الأفضل ببرنامج جديد اسمه على الطريق في أمريكا و بينما الهدف المعلن من البرنامج و كما جاء على لسان صانعيه هو إزالة سوء الفهم عند الأمريكيين و نقل الصورة الحقيقية الإيجابية عن العالم العربي, كما سيتم نقل الصورة الإيجابية عن الغرب و تعريف العالم العربي بالإيجابيات لديهم, إلا أن الهدف المخفي لا ينطلي على كل فطين و هو الترويج لفكرة التطبيع مع دولة اسرائيل العربية الشقيقة و أن الإسرائيلييون ما هم إلا بشر مثلنا يضحكون و يحزنون, يأكلون و يشربون, مثلنا تماما. فسبحان الله, معظم من قابله هؤلاء الضائعون على الطريق في أمريكا كان اسرائيليا من سائق التاكسي مرورا بالمزين إلى قائد الهيلوكوبتر فجلوسا عند عائلة يهودية داعمة لإسرائيل فتناول لطعامهم لا مانع, و كأنه لا يوجد في أمريكا إلا الإسرائيلييون. و يا ليتهم قاموا بلقاء البروفيسور اليهودي نورمان فينكلستاين و الذي كرس حياته و محاضراته لمحاربة ظلم الصهاينة و تعرية حقيقتهم البغيضة, إلا أن لقاء كهذا من شأنه أن يفسد الهدف السامي من البرنامج. كما أننا نحن العرب لسنا بحاجة لمن يعرفنا بالثقافة الغربية و إيجابياتها, ما عليك إلا أن تفتح شاشة التلفاز على أي قناة عربية فتشاهد البرامج الغربية و السلوك الغربي و الحياة الغربية و طريقة التفكير الغربية. كان من الأجدى لصناع القرار في شاشتنا الحبيبة أن يرتبوا لبرنامج على الطريق في العالم العربي و يكون الهدف منه البحث عن العرب المهددين بالانقراض ثقافيا و فكريا و نفسيا بل و فسيولوجيا إن شئت. و لا أعلم كيف سيتم نقل الثقافة العربية و إيجابياتها إلى الأمريكيين, أعن طريق رقص فتيات العرب في صالات القمار مع الراقصات؟ أم عن طريق شرب الكحوليات في البارات و التسنكح مع المتسنكحين في الحفلات الصاخبة؟ و لا مانع من زيارة مغنية روك أمريكية فاشلة لم يسمع بها أحد لتحاور الشابات العربيات و تعطيهم الدرر عن الآخر و تقبل الآخر لترد عليها الماجدة العربية بالقول أنه هناك عرب متحضرون يتذوقون فن الروك و أن هناك مناطق عربية لديها الاستعداد لاستضافة حفل صاخب لهذه المغنية يحضره نخبة المجتمع و الصحافة. و إمعانا في اثبات هذه الحقيقة لا مانع من ان تقوم احدى المشاركات بالغناء على المسرح فتمسك بالمايك و تقفز و تحزق فشر قرد يؤدي رقصة عجين الفلاحة, و بهذا يتم نقل صورة إيجابية عن المرأة العربية فهي لا تقل عن نظيرتها الأمريكية في اللهو و المرح. البرنامج هذا و باختصار شديد هو محاولة رخيصة للتملص من كل ما هو عربي و التكريس لجيل جديد من العرب الغربيين الذين يتحدثون الانجليزية بطلاقة و لا مانع من حشر كلمة عربية أو اثنتين خلال المحادثة للحفاظ على الهوية, بالإضافة إلى عملية غسيل مخ معتبرة تقضي على البقية الباقية من عروبة و تاريخ و كلام فارغ لا مكان له في العالم الجديد. و لهؤلاء أقول , إنها كمحاولة الفأر أن ينسلخ عن جلده و ينضم إلى عالم القطط و هي محاولة ستبوء بالفشل بكل تأكيد فمهما حاول الفأر أن يتشبه بالقطط سيبقى في نظرها صيدا حلالا تلتم حوله ساعة الغداء, و الأجدى للفأر أن يبتعد عن القطط و يجتهد في حماية نفسه و إلا وجد نفسه لقمة سائغة بين أنياب قط جائع.

الأحد، 4 أبريل 2010

كرة القدم بنكهة عربية خالصة

دائما ما أكره جلد الذات الذي نمارسه نحن العرب بشدة على ذواتنا حتى أنه يخيل لي أننا شعب بلى أمل. و أنفر من بعض مثقفينا و أدبائنا و إعلاميينا الأفاضل الذين جل إنتاجهم يندرج تحت باب جلد الذات و بقسوة مبالغ فيها، إلا أنني أجد نفسي مضطرا لممارسة هذه العادة المقيتة رغما عن كل ما سبق. السبب هذه المرة مبارة في كرة القدم، اللعبة الشعبية الأولى في العالم و التي لا تخلو من من التعصب الأعمى و العنصرية البغيضة و الممارسات التخريبية العنيفة التي غالبا ما تصدر عن المشجعين في المدرجات قبل و أثناء و بعد المباراة و هذا جزء من اللعبة و الجو العام المرتبط بالإثارة في مباريات كرة القدم. و بما أننا شعب له "خصوصيته" المعروفة و التي تجعل القوانين و الأعراف العامة لا تنطبق عليه بشكل كامل و لا بد أن يضفي على كل شئ نكهة عربية خالصة، انتقلت هذه الممارسات الجماهيرية من المدرجات إلى السياسيين المحنكين و الأدباء الحالمين و الصحفيين المخضرمين فتحول الجميع إلى وحوش كاسرة ناثرين من حولهم و حولنا غبار المعارك. فبعض المسؤولين الرفيعي المستوى أدلوا بتصريحات رنانة هي أقرب ما يكون إلى إعلان حرب، كما خرج علينا بعض صحفيينا اللامعين بمقالات من نار و كأنها منشورات ثورية. الكل ساهم في إثارة الفتنة و تأجيج الجماهير بما يتخطى المعقول و المتوقع حول مباراة على كرة من جلد منفوخ و أصبح الكل في انتظار كرنفال دموي مجنون على أنغام طبول الحرب و الجماجم و النيران، و كل هذا بين شعبين تربطهما أخوة و دم و تاريخ راسخ في بطن الأرض منذ الزمن القديم. المضحك المبكي في الأمر أنه لو كانت هذه المباراة بين أحد الشقيقين و فريق آخر من قارة أخرى لسادت الروح الرياضية و لسمعنا عبارات مثل اللعب النظيف و التنافس الشريف و كرة القدم فوز و خسارة و لما شهدنا كل هذا التوتر و التشنج و الانفعال الزائد عن الحد، لكنها "خصوصيتنا" الفريدة التي تأبى إلا أن تكون لها بصمة على كل شئ حتى لعبة كرة القدم. فلو أن الدول التي تناصبنا العداء ألقت نظرة على إعلامنا و مثقفينا و آرائهم الحادة و تعطشهم للدماء من أجل مباراة لفكرت ألف مرة قبل أن تستعدينا و تحاربنا و تحتل أراضينا، فقوم هذا حالهم في اللعب فكيف يكون الحال إذا في الحرب، إلا أنهم يعرفون "خصوصيتنا" الفريدة و يعلمون حد اليقين أننا قوم نحارب في اللعب و نلعب في الحرب.

الصحوية و الليبرالية و التيار العفوي الجديد

بحكم قراءاتي المتعددة و خبرتي في ميادين الفكر و الثقافة الناتجة عن متابعة الصحف اليومية و البرامج التلفزيونية لمدة أسبوع لا أكثر،أصبحت مفكرا لا يشق لفكره غبار و مثقفا معتدا بنفسه يكتب كلاما لا يفهمه أحد، فكان لا بد أن أشارك في الصراع الفكري و المعارك الثقافية التي تدور رحاها في المجتمع السعودي الآن بين التيار الصحوي و التيار الليبرالي و إن كنت لا أنتمي لأي منهما. و كي أكون عنصرا فاعلا في هذا الحراك لا بد أن أعرف ما هو الشئ الذي يدور الصراع حوله؟ و بعد تحليل الموقف بإمكاني القول أن الصراع يدور حولنا نحن كمجتمع. نحن الفريسة التي يتصارع عليها أسود الصحوة و مشاعل التنوير الليبرالية. كلى التيارين يحمل مشروعا و كل تيار يزعم أن مشروعه وحده هو القادر على انتشال المجتمع من ظلمات الجهل و الفقر و التخلف إلى أنوار التقدم و التطور المدني أو العودة بالمجتمع إلى جادة الصواب و القضاء على مظاهر الانحلال الفكري و الأخلاقي، و أن المشروع المقابل ما هو إلا مشروع إقصائي فاشل يحاول الهيمنة على الوطن و المواطن حاملا في طياته بذور التخلف و الجهل. يستمر هذا الصراع بينما نقف منه نحن كمجتمع موقف المتفرج الذي لا يعي ما يدور حوله و لا يدرك أن الصراع معه و حوله و عليه و بسببه. نتابع فصول الصراع و حدة النقاش و نسمع مصطلحات تلقى علينا من هنا و هناك و لا ندرك لها معنى، فنقف عندها و نهز رؤوسنا على طريقة العارف ببواطن الأمور. نسمع عن التنوير و عصور الظلام و النهضة الحداثية الأوروبية و نيتشة و سقراط و العلمانية و العولمة و حقوق المرأة، فتدور بنا الدنيا و نصاب بالصداع و ما أن نستفيق من هول الصدمة إلا و تعاجلنا مصطلحات سد الذرائع، الزندقة، الهرطقة، الغفلة، الوسطية، الصحوة، التغريب، و الخطاب المؤدلج فتطيح بعقولنا من على بروجها إلى الفراغ السحيق، فنحن بين التيارين أشبه بلوح زجاج، ويل له إن وقع على الصخر و ويل له إن وقع الصخر عليه. و بما أنني مثقف و مفكر عظيم و جدت أن الحل الوحيد هو أن أنشئ تيارا فكريا، نسبة إلى أنه أعياني التفكير، و يكون هذا التيار معبرا عن المجتمع كما هو دون محاولة فرض تجارب ثقافية عليه هي أبعد ما يكون عن ثقافة أفراده، همومهم، و مشاكلهم و لا محاولة اجترار تجربة انفصلت عن الزمن و عن الناس. و سأسمي تياري الجديد التيار العفوي نسبة إلى العفوية و البساطة التي يتسم بها أفراد مجتمعي. و سيكون شعارنا لا للأيديولوجية و الإقصائية لا لشئ إلا أنني لا أعرف ما تعنيه هاتان الكلمتان لذى فالأفضل البعد عنهما. فنحن أناس عفوييون، نحب الكل و نكره الكل هكذا بعفوية، نتابع نشرات الأخبار و نلعن العدو و من يسانده ثم نشجع فرنسا في كأس العالم لأن فيها لاعبا عربي الأصل هكذا بكل عفوية، نشعر بالنفور من المفكرين و و المثقفين الذين يتكلمون بلساننا دون أن نفهم كلمة واحدة من حديثهم الاستراتيجي القاضي بحتمية التنوير الحداثي الموازي لنهضة المجتمعات الإنسانية نحو المدنية، نقدس رجال الدين رغم أنهم ينهروننا لمجرد التفكير و و نستمع بتثاقل لحديثهم المسجع المقفى.. نقف حيارى بين الجميع ثم نعلن سخطنا على الجميع حتى التيار العفوي الجديد...