الثلاثاء، 1 فبراير 2011

إذا الشعب يوما أراد الحياة

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر و لابد لليل أن ينجلي و لابد للقيد أن ينكسر. كلمات شدى بها أبو القاسم الشابي منذ زمن بعيد إلا أنها اليوم أضحت حقيقة ماثلة للعيان بأيدي التونسيين. إن كان أجمل الشعر أكذبه فإن أعظم الشعر أصدقه. منذ أسبوع فقط لو قال أحدهم أن الرئيس التونسي سيهرب تحت جنح الظلام راضخا لإرادة شعبه بعد اضطرابات هائلة سيوسم بالجنون حتما، سيوصف بالسذاجة و الغباء و قلة الفهم بالمتغيرات الاستراتيجية و المعطيات السياسية التي يجب توافرها لأي تغيير من هذا النوع.

إلا أن الشعب التونسي العربي الأبي ولله الحمد لم يقم وزنا لموازين القوى و الاستراتيجية الحتمية و الخطط الخمسية و كل هذا التنظير الذي يؤدي إلى إضعاف الهمم و هزيمة الروح، لم يستمع لآاراء المثقفين و الخبراء التي تقرع أي تحرك شعبي للتغيير، لم يلق بالا للفقهاء الذين حرمو التظاهر و الخروج إلى الشارع للمطالبة بالحقوق، و قام بالتغيير بيده ليثبت أن الشعب دائما هو الحلقة الأقوى عند حساب موازين القوى. إلا أن البعض يتناسى ذلك عندما تسكره سطوة المال و قوة السلطة و سعة بال الشعب فيظن أنه ظل الله في الأرض و الحاكم بأمره حتى يجد نفسه يوما هاربا مطرودا يتوسل مطارا يستقبل طائرته و بلدا يؤي روحه البائسة و هو منذ أيام قلائل كانت الدنيا كلها منزله و العباد كلهم عبيده.

أثبت التونسيون أن الرهان على السلطة والمال و القمع و التنكيل هو رهان خاسر و أن الرهان على قوة الشعب هو الرهان الكاسب و إن طال الزمن و بلغ اليأس من التغيير مبلغه. و عند هذه النقطة بالذات دائما يولد من رحم هذا اليأس أمل حقيقي تراه ماثلا أمامك يمحو كل ما كان قبله و تنجلي حقيقته راسخة و يصبح ما قبلها سرابا كأن لم يكن.
صورة مع التحية لكل من يظن أن الشعب العربي مات، و أنه مشغول بلقمة عيشه لا يريد من الدنيا إلا الستر، و أن الحرية و الديمقراطية و الكرامة كلمات لا تعني له شيئا. صورة مع التحية لكل من يعتقد أنه ظل الله في الأرض و أن الشعب ما هو إلا مجموعة من الرعاع خلقت لتنفذ مشيئته و تأتمر بأمره. و أنصح هؤلاء أن يفيقوا بسرعة من هذا الوهم و لا يرتخوا ظنا أن المال و الحرس و العلاقات الدولية ستحميهم أبدا من غضبة الشعب و إلا سيجدون أنفسهم ذات يوم على متن طائرة في جنح الظلام هاربين يبحثون عن مطار يستقبلهم و أرض تؤي أجسادهم المترفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق